في موانع التكفير مانع الجهل لدى السلفية الوهابية بين المدعى والواقع / [مورد إلكتروني] :
أحمد عبد السلام المؤذن
- الرباط : منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2017
- ص. 1-21
بيبليوغرافيا : ص. 20-21
عُرّف الجهل في معاجم اللغة الرئيسيَّة بعدم العلم أو خلوّ النفس منه، وما جاء منه في معانٍ أخرى فهو بحسب اللزوم. وهذا أوَّل خطأ ارتكب في هذا التعريف اللغوي، حيث عُدّ الجهل حدوثَ قول أو فعل أو اعتقاد بخلاف الحق. وقد أدَّى التعريف الاقتضائي هذا إلى الوقوع في التناقض، حيث إنَّ المؤدى ألَّا يقع التكفير حتى يحدث القول أو الفعل أو الاعتقاد الجهلي، لكن تمَّ التكفير بالخلو من الحقّ في حدّ ذاته. والذي نراه بحسب الأدلة الصحيحة أنَّ الجهل من العوارض المكتسبة التي ترفع موضوع التكليف، وعليه فالجاهل بالإسلام كُلاً أو فرعاً معذور اتفاقاً، وإنَّما الخلاف هو في تفاصيل المسألة وتطبيقاتها. وقد خالف السلفيون الوهابيون الجمهور في هذه الموضوعة، بل خالف بعضهم بعضاً مكفّرين ومتقاتلين، حتى تعذّر تحديد مذهب واحد لهم فيها. والمشكلة أتت من تناقض مراجعهم الأساسيَّة المعوَّل عليها في صياغة تصوُّرهم العقدي، وعمدتها كتابات ابن تيمية وابن عبد الوهاب. وهكذا انقسموا بين من لا يعذر بالجهل مطلقاً، أي ولو حيث مظنة الجهل، وعزاه إلى الحقّ من مذهب الشيخين المتقدّمين مستدلاً عليه بوجوه لا تصح؛ ومن يعذر بالجهل حيث مظنة العلم لا مبدئياً بل لمصلحة عرضيَّة دون أن ينسى إثباته من كلمات الشيخين، ومن يفصّل في المسألة فيرى أنَّ مذهبهما هو عذر الجاهل حيث لا يظنُّ فيه العلم ولا يعذره حيث مظنَّة العلم؛ ومن يدَّعي - أخيراً - أنَّ المذهب هو العذر بالجهل مطلقاً، أي حتى في مظنَّة العلم، وهو منه محاولة إنسانيَّة جميلة إلا أنَّه لا يمكن نسبتها إلى هذه المدرسة السلفيَّة الوهّابيَّة. ولذلك فالذي عليه جمهورهم اليوم هو الرأي الثالث أي التفصيل، ولعله الأقرب إلى روح التوجُّه العقدي لابن تيمية وتلامذته. وبحث الأدلة الإسلاميَّة المعتبرة ينتج عنه أنَّ الصحيح في مسألة العذر بالجهل هو العذر مطلقاً بغض النظر عن نوع المسائل، والزمان والمكان، ونوع الجهل من حيث البساطة والتركيب. وهذه النتيجة هي قرينة من القرائن الكثيرة - في تصوُّرنا - على أنَّ الكفر ليس هو مطلق المخالفة للإسلام، بل هو الجحود عن الاستيقان أو الإعراض المبدئي عنه